الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الصهيونية في الكويت

يحاول الإنسان جاهدًا أن يجعل نفسه تحت المظلومية بشتى الأساليب، إن وقع عليه الظلم فإنه يهوله ولا ينفك متحدثًا عن مظلوميته ليل نهار، وإن لم يكن مظلومًا ولم يظلم قط في حياته وعاش عيشةً طبيعية هنيئة، افتعل أسبابًا تجعل منه مظلومًا مسكينًا مستكينًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا.

ولأن المظلومية تجعل الإنسان مرقبًا للأخطار في وقت فلذلك تبرر الكثير من التصرفات، وتعطي صاحبها –بينه وبين نفسه على الأقل- الحق لكي يقوم بالعديد من التصرفات فالانتحار عنده مبرر، ولا يقتصر الأمر على أن يقتل نفسه، فلو اكتفى بذلك كنا استرحنا من أحد الحمقى بالعالم، بل إن الأمر يتعدى ذلك فيعطي أو يعطيه بعض ضعاف النفوس الحق أو المبرر في أن يصب جام غضبه على الناس جميعا.

وهذا الأمر يتجلى بوضوح عند الصهاينة وعند المبررين لإسرائيل، لذلك تراهم يبذلون قصارى جهدهم في التفنن بإظهار مظلومية اليهود من بين شتى شعوب العالم، يوهمون أنفسهم أنهم الأفضل بل ويعتقدون أنهم كذلك وأن الأمم تحمل في أنفسها البغض والعداء لشعب الله المختار، ونتيجةً لهذه المشاعر الدفينة تجاههم تجعلهم يشعرون ويؤمنون أن الشعوب تتآمر لإبادتهم ومسح بلدهم من الوجود.

واستغل اليهود مظلوميتهم "السابقة" لتبرير كل تصرفاتهم الحالية واللاحقة، نعم قاد عانوا وقاسوا  في بعض العصور مثل الظلم الذي وقع عليهم إبان الاحتلال الروماني للقدس، وعملية التطهير العرقي التي قام بها النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية. وظهر مصطلح معاداة السامية أو اللاسامية والمقصود بها معاداة اليهود كعرق، ما كان من هتلر كان لاساميًا بالفعل، ولكن الغريب بالأمر أن كل انتقاد لإسرائيل وكل اختلاف مع سياساتها، وكل فضح لجرائمها في الحروب وجرائمها تجاه الفلسطينيين العزل، وكل مس لإسرائيل من بعيد ومن قريب، يجعل المختلف مع اسرائيل وفاضحها ماسها معاد للسامية ويريد إعادة الهولوكوست النازية، ويحمل بين طيات ضلوعه نيات لإبادة اليهود عن بكرة أبيهم، فهذا المنتقد يعتبر ظالمًا في وجهة نظرهم ويشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا على اليهود في العالم وعلى إسرائيل.

وهذا الأمر للأسف ليس عند الصهاينة فحسب بل كما أنهم يستخدمون اللاسامية والهولوكوست والمظلومية والمسكنة والخطورة المحدقة بهم لصد أي هجوم، يستخدم الكثير إن لم يكن أغلب شعبنا الكويتي الأبي تهمة الطائفية والعمالة لـ "الغرب/ إيران / السعودية / قطر..".

فإدلاؤك لرأي لا يوافق الطائفة المقابلة أو لا يوافق أهواء أبناء هذه الطائفة بمعنى أدق، فأنت متهم بالطائفية والتحريض على الكراهية في المجتمع في أفضل الحالات، وتتهم بالعمالة والاستخباراتية وتشكيل خطر حقيقي على المجتمع الكويتي المتحاب المتماسك جدًا جدًا، فالشيعي يعتبر نفسه مظلومًا من قبل الأغلبية السنية الظالمة، والسني يرى أن الشيعة يشكل خطرًا على السنة في العالم كونهم عملاء لإيران بشكل أو بآخر شاؤوا أم أبوا. والحضري يرى أن البدوي لا يستحق النعمة فيجب أن يداس على رأسه فالبدوي لا يحب الحضر وإن أتيحت له الفرصة لفعل ما هو أشنع، والبدوي يرى أن الحضر ينهبون خيرات البلاد فهم ظالمون لأهل البادية.

وهذا النوع من التفكير، وهذا النوع من الإجراءات التخوينية في حق المنتقدين للطوائف والقبائل والطبقات ولرجالاتها بل وحتى "مو رجالاتها"، يجعل بعض الناس يعطون لأنفسهم الحق في حماية أنفسهم من هذا الظلم والعدوان، هذا إن لم يكن يعطيهم الحق في توجيه ضربة استباقية كما أشرت في مثال الحضري البدوي، ويجعل أحدهم يحرض على مهاجمة الطائفة الفلانية لأنها عميلة الشيطان ولا بد من اقتلاعها. وهذا يولد الإحساس ذاته عند هذه الطائفة العميلة تعاني من الاضطهاد وتشعر بأن هولوكوست آت لحرقها، فتقوم بالهجمة الاستباقية ذاتها التي قد تقوم بها الطائفة الأخرى.
"يمكن إبدال كلمة الطائفة هنا بأي تقسيم آخر."

كل فئة في هذا المجتمع تمسك طرفًا من ثوب التشابه مع إساءة إسرائيل في استخدام المصطلحات وتشويه التاريخ، رأينا كيف أن الشيعة عندما يضعون أنفسهم تحت المظلومية كيف يتصرفون بازدواجية للمعايير، فرأيت منم ينتقد الاعتصامات كونها فوضى وخروج على القانون والسلطة ويعطي نفسه الحق في نفس التصرفات، والسني الذي يرى أن الشيعي خطر على هذا المجتمع ويسعى لاجتثاث المذهب السني من العالم الإسلامي، فخطأ الشيعي يحفر على الحجر وخطأ السني زلة يجب أن تغفر ويتجاوز عنها، وعندما أهان الحضري فرد من قبيلة اعتبرها أبناء القبيلة أن هذه كانت اهانة للقبيلة كلها، ليست الإهانة فقط حتى أن انتقاد أي فرد من أفراد القبيلة هو إساءة لقبائل عدنان وقحطان قاطبةً.

وبسبب هذه الأحاسيس والاعتبارات الحمقاء غالبًا، تظهر تصرفات جماهير " الطائفة / القبيلة / الفئة .. " قمة في الرعونة والسذاجة والازدواجية، كل ذلك بسبب أن النفوس مشحونة إما بالشعور بالمظلومية أو الشعور بأن الطرف المقابل يهدد أمن البلاد والعباد.

أسأنا استخدام وفهم كلمات ومفاهيم عدة كما أساء الصهاينة استخدام كلمات ومفاهيم  اللاسامية والهولوكوست وشعب الله المختار. وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: "حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" .

@Haj_Hussain