الاثنين، 17 سبتمبر 2012

هل حدثت قصص التوراة في فلسطين ؟؟ - حسين علي غلوم

يحاول الكاتب والباحث العراقي فاضل الربيعي في كتاب "قصة حب في أورشليم" أن يستحدث ترجمة جديدة لنص "نشيد الإنشاد" التوراتي، وهو نص شعري على لسان النبي-الملك سليمان بن داود يتغزل فيه بإحدى فتيات "أورشليم" وتدعى "شلمه"، لافتًا النظر إلى غرابة وركاكة الترجمة العربية للتوراة ككل لا سيما "نشيد الإنشاد".
ولكن عندما تعمق في نصوص التوراة وجد أن هناك نوع من التكلف في الترجمة ومحاولة تضليل واضحة، ففي نشيد الإنشاد وفي مواضع عديدة من التوراة تُذكر أماكن لا نعرف لها أي وجود في الجغرافية الحالية لفلسطين ولا حتى في جغرافيتها القديمة ! وأن الترجمة السائدة  حاليًا -  أو كما يسميها الترجمة الاستشراقية والاستعمارية - للتوراة موجهة إلى دعم الحق التاريخي  لليهود في هذه الأرض التي بنيت عليها ممالك اليهود الكبرى.
اكتشف الأستاذ فاضل الربيعي العديد من المفاجآت من خلال قراءته المتفحصة للنص العبري، فإن اسم سليمان – مثلا – واسم معشوقته التي تغنى بها في "نشيد الإنشاد" يرسمان بالرسمه ذاته في النص العبري وهو "شلمه"وتعريب هذا الإسم يكون "سلمى" أو "سلم" أو "سلام"، ويظهر هنا الترابط والتقارب الشديدان بين اللغتين العبرية والعربية، حيث أن العرب يطلقون اسم "سلام" على النبي "سليمان" في بعض الأحيان كقول الأعشى:
ودعا بمُحكمة أمين نسجه        من نسج داود أبي سلام
والتطابق العربي – العبري هنا يدعو إلى التأمل بعض الشيء والعودة إلى الشعر العربي الجاهلي كما يقترح المؤلف، بسبب مماهاة النص العبري فإن لفظ "شلمه" يترنح بين ثلاثة معان، أولها سليمان والثاني شلمه الفتاة أو سلمى، ويظهر هذا اللفظ كتعبير عن مكان بعينه ! كما يحدث تمامًا في الشعر العربي، فنجد الكثير من الأحيان مثل هذه المماهاة بين معنى المعشوقة والمكان، وغالبًا ما تكون أسماء المتشبب بهن في الشعر العربي أسماء أماكن وجبال، وبالفعل بعد بحث المؤلف في الشعر العربي وجد هذا الشيء بل ووجد تكرار لفظ "سلمى" كثيرًا، وكما في النص العبري تكون فتاة تارةً وجبلًا تارةً أخرى، فمن هذه "سلمى – شلمه" التي تُغني بها بالعربية ولهجاتها ؟؟
يرجح المؤلف أن "سلمى" هو اسم لجبل موجود في اليمن، اكتسب اسمه من اسطورة الإلهة "سلمى" إلهة الحب والسلام عند العرب قديمًا، وتقول الأسطورة أن فتاة بارعة الجمال اسمها "سلمى"، ترعرعت في إحدى قبائل اليمن، وقع غرامها شاب اسمه "أجأ"، كما أنها مع الأيام قد عشقته كذلك، وقررا الهرب معًا بمساعدة مربية سلمى واسمها "العوجاء"، وبالفعل هربوا ولكن إخوة سلمى عرفوا بالأمر وانطلقوا يبحثون عنهم، فوجدوهم في واد عرف فيما بعد باسم "وادي سلم" أو "أوري سلم" ( قارن الاسم مع "أورشليم" أو كما في رسم آخر بالتوراة "أورى شلم") وقتلوا العشيقين والمربية، واختلطت دماء الحبيب بحبيبته، رقت قلوب الناس عند سماعهم بهذه القصة وندم إخوة سلمى، فقرروا وكنوع من التكفير عن خطيتهم، أن يطلقوا على الجبال المحيطة أسماء "سلمى" و"أجأ" و"العوجاء" ومن دخل بينهم أي في "وادي سلم" أمن وسلم من كل خطر، فإن هذا المكان بات يحرم القتال فيه تمامًا كما يحرم القتال في الأشهر الحرم.
وذكر الشعراء "سلمى" الجبل على مر العصور، فصاحب المعلقة "زهير" سمي بـ "ابن أبي سلمى" لكثرة ورود اسم "سلمى" في أبياته، فيقول مثلا:

فقفٌ فصارات فأكناف منعج          فشرقي سلمى حوضه فأجاوله
ويقول عبدالرحمن بن جهيم الأسدي وفي قوله نجد تكرارًا لاسم سلمى، فهي هنا فتاة تارة والجبل تارة أخرى:
ألمت بنا سلمى طروقًا ودونه          قداميس سلمى والكراع فلابها

وعلى غرار ذلك يقول النابغة الجعدي:
أمن آل سلمى الطارق المتأوب           ألمّ وبيش دون سلمى وحبحب

يرى الكاتب أن "سلمى" الشعر العربي هي ذاتها "شلمه" في نشيد الإنشاد، وعليه فإنه يعتبر "نشيد الإنشاد" أحد نصوص الشعر العربي الضائع الذي اندثر كونه لم يكتب باللهجة التي حفظت معظم القصائد التي بين أيدينا وهي لهجة "قريش"، إنما كتب بلهجة اشتهر وما زال يشتهر بها بعض أهل اليمن أي "العبرية"، وأن "نشيد الإنشاد" لم يكن على لسان سليمان النبي إنما كان على لسان شاعر عربي مجهول عاش في اليمن في تلك المنطقة المجاورة لجبل "سلمى".
ولكي يدعم هذه النظرية جاء فاضل الربيعي بالعديد من الدلائل الجغرافية والتاريخية واللغوية، أشير إلى البعض منها.
وردت العديد من الأماكن في نشيد الإنشاد على أنها من أراضي فلسطين أو تجاورها مثلا " جبال نموريم وتلال لبنان وأورشليم وصيون أو صهيون" إلا أن هذه الأماكن يصعب بل يستحيل العثور عليها في الأراضي الفلسطينية، ففلسطين لا تعرف جبلا يدعى "سلمى" يقارب "جبال نموريم" و"تلال لبنان" ووادي "صهيون"، والعديد من التضاريس والأماكن الأخرى لن أذكرها اختصارًا، ويحاول النص العربي الذي بين أيدينا – ذو النفحة الاستعمارية – أن يقلب الحقائق بشتى الوسائل، فيلجأ إلى الترجمة التي لا تنسجم مع المعنى ومغايرة عن المعنى الأصلي تمامًا ويتجاهل بعض المصطلحات – المواقع، وبكل جرأة يبدلون موقعًا بآخر بشكل غريب لا يخلو من غباوة، فجاء في النص الأصلي كما هو بالرسم العبري " صئنه – ورئنه – بنوت – صيون – ب – ملك – شلمه" وترجمته السائدة تقول "اخرجن يا بنات أورشليم وانظرن الملك سليمان" !! "وهذه الترجمة مرفوضة كلية من جانبنا للأسباب التالية: أن الشاعر حدد البنات ببنات "صيون – صهيون" وليس أورشليم ( بنوت – صيون ) كما أن الشاعر دعا البنات إلى أن ينظرن (في) الملك ولو كان يريد المَلك لتوجب عليه أن يرسم الاسم بصورة "ها – ملك" الكتاب ص 241. ويستبدل الكاتب الترجمة الركيكة السائدة بترجمة أخرى دقيقة أقرب إلى العقل: "فلتخرجن ولتنظرن يا بنات صيون في مُلك سلمى". وادي "صيّون" أو صهيون موجود في اليمن ومعروف إلى يومنا هذا، وكأن الشاعر أراد أن يفاضل جمال شعاب جبل "سلمى" على شعاب "وادي صهيون" فالشعاب كثيرا ما يطلق عليها اسم "البنات" في الشعر العربي القديم، فإنه يدعو بنات – شعاب صهيون للنظر إلى جمال بنات "سلمى" أو لعله يقصد البنات فعلا فتكون المفاضلة بين بنات صهيون وبنات سلمى.
ومن جملة الأماكن المذكورة في نشيد الإنشاد "لبنان"، حيث تحاول الترجمة السائدة بأن توهم القارئ أن المكان المقصود هو لبنان البلد، وقد ظهر اسم "لبنان" في العديد من المواضع في النص العبري، على سبيل المثال "انطلق إلى جبل المر، وإلى تل البخور كلك جميلة يا خليلتي، ولا عيب فيك، هلمي معي من لبنان أيتها العروس، هلمي معي من لبنان، رأس سنير وحرمون، من مرابض الأسود، من جبال النمور" هذه هي الترجمة الحالية، فهل نجد في فلسطين أو لبنان أماكن تدعى "جبال المر" أو "جبال النمور" والأماكن المذكرة الأخرى ؟؟ الجواب لا، ولكن نجد في اليمن جبالًا تدعى جبال المور ويقول الهمداني*  في وصفها "المور جبال عطية (أي لقوم عك) وهي مخلاف. ثم مخلاف عثر، وعثر ساحل جليل وفيه من الأودية "الأمان" ثم بلد حرام من كنان" نلاحظ أيضا وادي "أمان" وبلد "حرام" ولنقارنها بـ "حرمون" في النص الأصلي، وللفائدة يمكن العودة للكتاب، وأما جبل "النمور" فالأولى أن تكون ترجمته "نمارات" كونه ورد في النص العبري بلفظ "نموريم" والـ "يم" تفيد الجمع، والنمارات ومفردها نمار جبل ذكره الهمداني "ونمار وجبال شرعب ووادي نخلة وبلد الكلاع" وقد ورد اسم هذا الجبل بلفظي "نمار" و "نمارات" بالشعر العربي فيقول الأعشى:
 قالوا "نمار" فبطن الخال جادهما            فالعسجدية فالأبلاء فالرجل


ووردت في قول حزازة الهمداني:
فالنمارات فاللوى من أثال    فالعقيقان عليا فالجواء
فعلى مأرب فنجران فالجوف    فصنعاء صبة عزلاء

وفي قول جرير:

إليك إليك يــــــا جعد بن قيس        فلست من أبــناء نــــــــــــــــزار
ولكن من سمارة شر حي     إذا نزلوا المضيح من نمار

وتلال "لبنون" وهي بالأحرى جبال أو جبل لبنان وقد ورد أيضا في الشعر العرب، فيقول جرير أيضًا:
ظللت وقد خبرت أن ليس جازعا    لربع "بسلمانين" عينك تذرف
وتزعم أن البين لا يشعف الفتى    بلى مثل بيني يوم "لبنان" يشعف
ونلاحظ في هذا البيت ورود لفظ "سلمانين" وهو صيغة الجمع للفظ "سلمى" كعادة العرب أن يلفظوا الأماكن بصيغة الجمع والمفرد مثلما حصل مع "النمار والنمارات".

ويذكره النابغة الذبياني في بيت له قائلا:
حتى إذا غدا نصل السيف منصلتا    يقرو الأماعز من لبنان والأكما

     كما أنه ورد عند الهمداني في جملة من الجبال المشهورة "إن الجبال المشهورة المعروفة عند العرب سلمى وأبان وقدس ويذبل والمجيمر ولبنان في أطراف همدان" ولا يخفى أن همدان قبيلة من سكان اليمن القديم بلا أدنى شك.
والعجيب أن في هذه المنطقة كان يسكن قوم يعرفون بال "الفلس" أو "الفلست" باللهجة اليمنية القديمة و"فلشت" بالعبرية وقلنا أن للجمع بالعبرية تضاف يم فيصبح الفلستيين بالعبرية هم "فلشتيم" أو هي مذكورة في التوراة "ها فلشتيم" وترجمتها الفلسطينيين !! وقوم الفلس/الفلست هؤلاء قوم وثنيين كانوا يأكلون السحت وقد دارت حروب طاحنة بينها وبين القبائل العربية الموحدة ويرجح الكاتب أنها تقاتلت مع قبائل بني اسرائيل في اليمن.

     والمفاجأة الأكبر هي أن كلمة "أورشليم" أو "أورى شلم" كما هو رسمها في التوراة.. من أحد أودية جبل سلمى!! ويعرف ب "أوري سلم" أو "وادي سلم" أو "وادي سلام" ويقول الأعشى:وقد طفت للمآل آفاقه    عمان فحمص فأوري سلم


أقول: مؤسف أن معظم مصادرنا عن قوم "بني إسرائيل" معظمها إسرائيلية، لا نملك مصادر أخرى، ولكي نتأكد من صحة أقوالهم التي جاءت في التوراة أو من صحة أقوالهم التي تبنيناها، يمكننا العودة للقرآن الكريم ولكتب التفسير وكتب الحديث، "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا" ونجد أن القرية التي دخلوها بني اسرائيل بعد خروجهم من مصر مع نبي الله موسى – على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام – هي بيت المقدس كما في الرواية التوراتية أو أنها قرية العمالقة كما يرى بعض المفسرين، والعمالقة ورد أنهم من بقية عاد قوم هود، كما أن طالوت أو شاول قاتل هؤلاء العمالقة وهم من قوم عاد، أين كان يسكن قوم عاد ؟؟ وطالوت أليس من ولد "بنيامين"؟؟ وقد اعترضوا بني اسرائيل على تنصيبه ملكًا لأنه من سبط "بنيامين" وليس من نسل "لاوي" سبط الأنبياء ولا "يهوذا" سبط الملوك وقيل سبط "يوسف". ألا يستدعي كونه من ولد "بنيامين" أن نتوقف ؟؟ ألم يسمى اليمن عند العرب "بن يامن" ؟؟ فقد قال امرؤ القيس:
أوِ المُكْرَاعاتِ من نَخيلِ بنِ يامِنٍ     دوينَ الصفا اللائي يلينَ المشقرا
ولنربط حروب بني اسرائيل ضد العمالقة وغيرهم، مع حروب القبائل التوحيدية ضد قوم "الفلس" الموجودون باليمن.
إضافة لهذا كله، لماذا يتجاهل الغرب وبصورة غريبة جدًا تاريخ اليمن وآثار اليمن، وتراهم في كل مكان علماء وعامة مهووسون بالتاريخ والآثار، ولكن لا تجد لهم أثرًا في اليمن السعيد إلا نادرًا، فهل حان الوقت لكي نعود للنصوص التاريخية لنعيد كتابة التاريخ بأيدينا ؟
twitter @Haj_Hussain

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الصهيونية في الكويت

يحاول الإنسان جاهدًا أن يجعل نفسه تحت المظلومية بشتى الأساليب، إن وقع عليه الظلم فإنه يهوله ولا ينفك متحدثًا عن مظلوميته ليل نهار، وإن لم يكن مظلومًا ولم يظلم قط في حياته وعاش عيشةً طبيعية هنيئة، افتعل أسبابًا تجعل منه مظلومًا مسكينًا مستكينًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا.

ولأن المظلومية تجعل الإنسان مرقبًا للأخطار في وقت فلذلك تبرر الكثير من التصرفات، وتعطي صاحبها –بينه وبين نفسه على الأقل- الحق لكي يقوم بالعديد من التصرفات فالانتحار عنده مبرر، ولا يقتصر الأمر على أن يقتل نفسه، فلو اكتفى بذلك كنا استرحنا من أحد الحمقى بالعالم، بل إن الأمر يتعدى ذلك فيعطي أو يعطيه بعض ضعاف النفوس الحق أو المبرر في أن يصب جام غضبه على الناس جميعا.

وهذا الأمر يتجلى بوضوح عند الصهاينة وعند المبررين لإسرائيل، لذلك تراهم يبذلون قصارى جهدهم في التفنن بإظهار مظلومية اليهود من بين شتى شعوب العالم، يوهمون أنفسهم أنهم الأفضل بل ويعتقدون أنهم كذلك وأن الأمم تحمل في أنفسها البغض والعداء لشعب الله المختار، ونتيجةً لهذه المشاعر الدفينة تجاههم تجعلهم يشعرون ويؤمنون أن الشعوب تتآمر لإبادتهم ومسح بلدهم من الوجود.

واستغل اليهود مظلوميتهم "السابقة" لتبرير كل تصرفاتهم الحالية واللاحقة، نعم قاد عانوا وقاسوا  في بعض العصور مثل الظلم الذي وقع عليهم إبان الاحتلال الروماني للقدس، وعملية التطهير العرقي التي قام بها النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية. وظهر مصطلح معاداة السامية أو اللاسامية والمقصود بها معاداة اليهود كعرق، ما كان من هتلر كان لاساميًا بالفعل، ولكن الغريب بالأمر أن كل انتقاد لإسرائيل وكل اختلاف مع سياساتها، وكل فضح لجرائمها في الحروب وجرائمها تجاه الفلسطينيين العزل، وكل مس لإسرائيل من بعيد ومن قريب، يجعل المختلف مع اسرائيل وفاضحها ماسها معاد للسامية ويريد إعادة الهولوكوست النازية، ويحمل بين طيات ضلوعه نيات لإبادة اليهود عن بكرة أبيهم، فهذا المنتقد يعتبر ظالمًا في وجهة نظرهم ويشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًا على اليهود في العالم وعلى إسرائيل.

وهذا الأمر للأسف ليس عند الصهاينة فحسب بل كما أنهم يستخدمون اللاسامية والهولوكوست والمظلومية والمسكنة والخطورة المحدقة بهم لصد أي هجوم، يستخدم الكثير إن لم يكن أغلب شعبنا الكويتي الأبي تهمة الطائفية والعمالة لـ "الغرب/ إيران / السعودية / قطر..".

فإدلاؤك لرأي لا يوافق الطائفة المقابلة أو لا يوافق أهواء أبناء هذه الطائفة بمعنى أدق، فأنت متهم بالطائفية والتحريض على الكراهية في المجتمع في أفضل الحالات، وتتهم بالعمالة والاستخباراتية وتشكيل خطر حقيقي على المجتمع الكويتي المتحاب المتماسك جدًا جدًا، فالشيعي يعتبر نفسه مظلومًا من قبل الأغلبية السنية الظالمة، والسني يرى أن الشيعة يشكل خطرًا على السنة في العالم كونهم عملاء لإيران بشكل أو بآخر شاؤوا أم أبوا. والحضري يرى أن البدوي لا يستحق النعمة فيجب أن يداس على رأسه فالبدوي لا يحب الحضر وإن أتيحت له الفرصة لفعل ما هو أشنع، والبدوي يرى أن الحضر ينهبون خيرات البلاد فهم ظالمون لأهل البادية.

وهذا النوع من التفكير، وهذا النوع من الإجراءات التخوينية في حق المنتقدين للطوائف والقبائل والطبقات ولرجالاتها بل وحتى "مو رجالاتها"، يجعل بعض الناس يعطون لأنفسهم الحق في حماية أنفسهم من هذا الظلم والعدوان، هذا إن لم يكن يعطيهم الحق في توجيه ضربة استباقية كما أشرت في مثال الحضري البدوي، ويجعل أحدهم يحرض على مهاجمة الطائفة الفلانية لأنها عميلة الشيطان ولا بد من اقتلاعها. وهذا يولد الإحساس ذاته عند هذه الطائفة العميلة تعاني من الاضطهاد وتشعر بأن هولوكوست آت لحرقها، فتقوم بالهجمة الاستباقية ذاتها التي قد تقوم بها الطائفة الأخرى.
"يمكن إبدال كلمة الطائفة هنا بأي تقسيم آخر."

كل فئة في هذا المجتمع تمسك طرفًا من ثوب التشابه مع إساءة إسرائيل في استخدام المصطلحات وتشويه التاريخ، رأينا كيف أن الشيعة عندما يضعون أنفسهم تحت المظلومية كيف يتصرفون بازدواجية للمعايير، فرأيت منم ينتقد الاعتصامات كونها فوضى وخروج على القانون والسلطة ويعطي نفسه الحق في نفس التصرفات، والسني الذي يرى أن الشيعي خطر على هذا المجتمع ويسعى لاجتثاث المذهب السني من العالم الإسلامي، فخطأ الشيعي يحفر على الحجر وخطأ السني زلة يجب أن تغفر ويتجاوز عنها، وعندما أهان الحضري فرد من قبيلة اعتبرها أبناء القبيلة أن هذه كانت اهانة للقبيلة كلها، ليست الإهانة فقط حتى أن انتقاد أي فرد من أفراد القبيلة هو إساءة لقبائل عدنان وقحطان قاطبةً.

وبسبب هذه الأحاسيس والاعتبارات الحمقاء غالبًا، تظهر تصرفات جماهير " الطائفة / القبيلة / الفئة .. " قمة في الرعونة والسذاجة والازدواجية، كل ذلك بسبب أن النفوس مشحونة إما بالشعور بالمظلومية أو الشعور بأن الطرف المقابل يهدد أمن البلاد والعباد.

أسأنا استخدام وفهم كلمات ومفاهيم عدة كما أساء الصهاينة استخدام كلمات ومفاهيم  اللاسامية والهولوكوست وشعب الله المختار. وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: "حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" .

@Haj_Hussain


الجمعة، 3 فبراير 2012

التاريخ يعيد نفسه في الانتخابات ( 1 )

كثيرًا ما نسمع بكلمة "التاريخ يعيد نفسه" نعم إنه يعيد نفسه بالفعل، وقيل أن علم التاريخ هو "دراسة الماضي والتركيز على الحاضر للتعرف على المستقبل"،كما أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أشار إلى هذا المعنى تقريبًا وربما لا ينطبق مع فكرتي تمامًا ولكن لا بأس بذكر قوله -صلى الله عليه آله وسلم- تيمنًا وتبركًا"سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو كان أحدهم دخل جحر ضبٍ لدخلتموه" ولو أردت أن أصف حال التاريخ، فأصفه من منطلق دراستي في الهندسة الكهربائية، فقد علمنا أنه في نظرية التحكم توجد أنظمة عدة ويعنين في هذا الصدد أن أتطرق إلى "نظام التحكم ذو الحلقة المغلقة بتغذية خلفية" Closed Loop Feedback System.
هذا النظام ذو الاسم الطويل أعلاه بإمكاننا تطبيقه على أي نشاط أو أي علم تعتمد مخرجاته على شيء أو أكثر حدث بالماضي، مثل علم الاجتماع وفهم الطوابع العامة لأي مجتمع، حيث تكون مدخلات هذا المجتمع هم المواليد أو الوافدون أو كلاهما، بالإضافة إلى الموروث الاجتماعي الذي يتم أخذه بعين الاعتبار سلفًا، فإن المدخلات الجديدة المتمثلة في المواليد الجدد مثلًا مع المدخلات القادمة من التغذية الخلفية أي من الماضي متمثلةً بالموروث الاجتماعي من عقيدة وعادات وتقاليد وما شابه، هذه المدخلات تمر بمؤثؤات معينة في زمن معين لتنتج لنا مخرجًا جديدًا ما هو إلا عبارة عن مزيج بين الماضي والحاضر وهلم جرًا، ويطول المقام في شرح هذه النقطة لعلي سوف أتفرغ يومًا لإيضاحها أكثر.
قد عشنا في الثاني من الشهر الحالي أجواء انتخابات مجلس الأمة، ونلاحظ أن نظام التحكم المغلق ذو التغذية الخلفية قد ظهر بوضوح شديد مع نسبة خطأ 52% ، فلو تأملنا في هذا النظام لعلمنا أن إذا لم يكن هناك أي مدخل جديد سوف نحصل على الناتج السابق ذاته، فهذا يمثل كما لو أننا بقينا نجمع صفرًا على أي عدد مرارًا و تكرارًا، ما حدث في هذا المجلس حدث في جميع المجالس السابقة، فلا يوجد أي تشكيل برلماني يخلو من أعضاء التشكيل الذي يسبقه مباشرةً، بنسب خطأ مختلفة بين انتخابات وأخرى، ونسبة الخطأ -أو التغيير في مثال الانتخابات- تعتمد على مؤثرات عدة لا يمكن حصرها على أرض الواقع، وهنا تكمن المشكلة في تطبيق هذا النظام مع هذه الحالات المتعلقة بالمجتمع والتاريخ، قد تكون قناعات الناخبين ونوعية المرشحين الجدد أحدد أبرز المؤثؤات على مدخلات النظام التي من شأنها خلق نسبة تغيير عالية مثل ما حدث في هذه الانتخابات.
وألتفت هنا لأمر مهم جدًا، هذا التغيير سوف تنتج عنه مخرجات والمخرجات هنا سوف تكون هي طابع المجلس القادم وانجازاته بشكل عام، هذه المخرجات إن كانت جيدة -وأتمنى أن تكون كذلك- فالحمدلله، أما إن كانت سيئة فسوف يبقى تأثيرها على العديد من المجالس القادمة بل الكثير من المجالس القادمة، إلا إن حدثت صدمة أو معجزة في صناديق الاقتراع حيث تدخل في النظام بشكل كبير لاغيةً تأثير التغذية القادمة من الماضي.