الجمعة، 3 فبراير 2012

التاريخ يعيد نفسه في الانتخابات ( 1 )

كثيرًا ما نسمع بكلمة "التاريخ يعيد نفسه" نعم إنه يعيد نفسه بالفعل، وقيل أن علم التاريخ هو "دراسة الماضي والتركيز على الحاضر للتعرف على المستقبل"،كما أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أشار إلى هذا المعنى تقريبًا وربما لا ينطبق مع فكرتي تمامًا ولكن لا بأس بذكر قوله -صلى الله عليه آله وسلم- تيمنًا وتبركًا"سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو كان أحدهم دخل جحر ضبٍ لدخلتموه" ولو أردت أن أصف حال التاريخ، فأصفه من منطلق دراستي في الهندسة الكهربائية، فقد علمنا أنه في نظرية التحكم توجد أنظمة عدة ويعنين في هذا الصدد أن أتطرق إلى "نظام التحكم ذو الحلقة المغلقة بتغذية خلفية" Closed Loop Feedback System.
هذا النظام ذو الاسم الطويل أعلاه بإمكاننا تطبيقه على أي نشاط أو أي علم تعتمد مخرجاته على شيء أو أكثر حدث بالماضي، مثل علم الاجتماع وفهم الطوابع العامة لأي مجتمع، حيث تكون مدخلات هذا المجتمع هم المواليد أو الوافدون أو كلاهما، بالإضافة إلى الموروث الاجتماعي الذي يتم أخذه بعين الاعتبار سلفًا، فإن المدخلات الجديدة المتمثلة في المواليد الجدد مثلًا مع المدخلات القادمة من التغذية الخلفية أي من الماضي متمثلةً بالموروث الاجتماعي من عقيدة وعادات وتقاليد وما شابه، هذه المدخلات تمر بمؤثؤات معينة في زمن معين لتنتج لنا مخرجًا جديدًا ما هو إلا عبارة عن مزيج بين الماضي والحاضر وهلم جرًا، ويطول المقام في شرح هذه النقطة لعلي سوف أتفرغ يومًا لإيضاحها أكثر.
قد عشنا في الثاني من الشهر الحالي أجواء انتخابات مجلس الأمة، ونلاحظ أن نظام التحكم المغلق ذو التغذية الخلفية قد ظهر بوضوح شديد مع نسبة خطأ 52% ، فلو تأملنا في هذا النظام لعلمنا أن إذا لم يكن هناك أي مدخل جديد سوف نحصل على الناتج السابق ذاته، فهذا يمثل كما لو أننا بقينا نجمع صفرًا على أي عدد مرارًا و تكرارًا، ما حدث في هذا المجلس حدث في جميع المجالس السابقة، فلا يوجد أي تشكيل برلماني يخلو من أعضاء التشكيل الذي يسبقه مباشرةً، بنسب خطأ مختلفة بين انتخابات وأخرى، ونسبة الخطأ -أو التغيير في مثال الانتخابات- تعتمد على مؤثرات عدة لا يمكن حصرها على أرض الواقع، وهنا تكمن المشكلة في تطبيق هذا النظام مع هذه الحالات المتعلقة بالمجتمع والتاريخ، قد تكون قناعات الناخبين ونوعية المرشحين الجدد أحدد أبرز المؤثؤات على مدخلات النظام التي من شأنها خلق نسبة تغيير عالية مثل ما حدث في هذه الانتخابات.
وألتفت هنا لأمر مهم جدًا، هذا التغيير سوف تنتج عنه مخرجات والمخرجات هنا سوف تكون هي طابع المجلس القادم وانجازاته بشكل عام، هذه المخرجات إن كانت جيدة -وأتمنى أن تكون كذلك- فالحمدلله، أما إن كانت سيئة فسوف يبقى تأثيرها على العديد من المجالس القادمة بل الكثير من المجالس القادمة، إلا إن حدثت صدمة أو معجزة في صناديق الاقتراع حيث تدخل في النظام بشكل كبير لاغيةً تأثير التغذية القادمة من الماضي.